فاجأتني التعليقات التي وردت على ما انتقدت في ألبوم نوال الزغبي الأخير، لناحية أنه من أولوية للفنان اللبناني أن يغني ويتغنى بوطنه قبل الكلام عن جمال العواصم العربية الأخرى، رغم التشديد على أن أغنية "هنا القاهرة" محط الانتقاد جميلة جدا ولا تقل جمالا عن سواها من الأغنيات. لكن الانتقاد جاء في سياق انبرى رواد الفن اللبناني في الدفاع عن أهميته ومغزاه.
الغناء بلهجة مصرية ليس بعيب واعتماد الخليجية كذلك، لكن العيب هو عندما تصبح هذه الأغنية أهم في الألبومات الخاصة بالفنانين اللبنانيين من الأغنية اللبنانية ذاتها. فيروز ووديع الصافي وصباح كلهم غنوا الأغنية المصرية وغنوا لعواصم عربية يوم زاروها لكن الذاكرة العربية تتذكرهم في أغنيات لبنانية جعلت العامية اللبنانية تدخل إلى كل بيت عربي وتصبح مألوفة على السمع في كل أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
فهل فنانو اليوم سيكون لهم القدرة نفسها على وضع الأغنية اللبنانية في مصاف العظمة كما فعل رواد هذه الأغنية؟ أم أن الاهتمام في الدخول إلى عواصم الثمانين مليون كان أهم؟ الجواب بسيط حين نجد أن الفنانين اللبنانيين يخصصون الجزء الأكبر في الألبومات للأغنيات المصرية، وتأتي الأغنية اللبنانية في مرتبة ثانية إلى جانب الأغنية الخليجية، فتصبح أحيانا استثناءا ومفاجأة للجمهور اللبناني أن ابن بلده يغني هذه اللهجة.
وهنا تجدر الملاحظة إلى أن الفنانين الذين يعتمدون هذه السياسة لهم من أجمل الأغنيات اللبنانية التي صدرت في السنوات الماضية. ألا يذكر أحد لإليسا "كرمالك، عا بالي حبيبي، وبيستحي، بتغيب بتروح، بتمون، حبك وجع، لو فيي؟" ولنانسي عجرم "ماشي حدي، شيخ الشباب، لون عيونك، أنا يللي بحبك، تأخرت شوي" ولنوال الزغبي "الدلعونا، بدي عيش، قلبي سألو"؟
فلماذا تأتي الأغنية المصرية كأولوية؟ هل من يغني الأغنية اللبنانية لا يلقى رواجا في مصر والعواصم العربية الأخرى؟ أو أن أحدا يشك بنجاح وائل كفوري، وفارس كرم، وملحم زين، ونجوى كرم، ومعين شريف، ومن يحمل الأغنية اللبنانية ويتشبث بها، لدرجة أن الشعب اللبناني افتخر يوم انتقدت الصحافة المصرية وائل كفوري منذ سنين حين حاول الغناء باللهجة المصرية، واعتبرت أنه يغني المصري وهو يدق الكبة في الجرن.
وهل الحماس لدى الفنانين المصريين لغناء الأغنية اللبنانية هو ذاته حماس اللبنانيين لغناء الأغنية المصرية. هل يذكر أحد منكم أغنية لبنانية على لسان مصري، منذ زمن طويل، باستثناء شيرين وجدي التي غنت "عنك سألوني" عام 2004؟
والموضوع ليس بغريب إذ ان الملحن زياد بطرس لم يخف امتعاضه يوم طلبت أنغام منه أغنية لبنانية ثم عادت عن طلبها لأن هناك قرارا مصريا بعدم غناء هذه اللهجة.
وهل يكابر الفنانون الخليجيون بغناء اللهجة اللبنانية في حين يسعى فنانونا إلى غناء ألبومات خليجية؟
الديمغرافيا لم تصنع يوما فنانا. ما يصنع الفنان هو التزامه بمحبة ابناء وطنه واحترامه اللهجة التي أطلقته والتي تسقطه عندما يقرر الاستغناء عنها.